يشهد الصومال واحدة من أصعب المراحل الاقتصادية في تاريخه الحديث، حيث تراكمت أزمات التضخم وغياب السيولة وتآكل الثقة بالعملة المحلية. في هذا السياق، تعلن الحكومة عن مشروع إصلاح العملة الصومالية كخطوة محورية تهدف إلى استعادة الاستقرار النقدي وتعزيز ثقة المواطنين بالنظام المالي. غير أن هذه الخطوة، رغم أهميتها، تثير جدلًا واسعًا بين الخبراء والسياسيين والمواطنين حول جدواها، تكلفتها، وتوقيتها.
تاريخ العملة الصومالية منذ 1991

منذ انهيار الحكومة المركزية في 1991، فقدت العملة الصومالية قيمتها تدريجيًا أمام الدولار الأميركي. انتشرت العملات المزورة بكثرة، وغابت سلطة البنك المركزي في الرقابة. هذا التدهور جعل الأسواق الصومالية تعتمد بصورة شبه كاملة على الدولار في المعاملات التجارية، ما أضعف مكانة الشلن الصومالي.
اليوم، يأتي الحديث عن إصلاح العملة الصومالية في محاولة لاستعادة رمز السيادة الوطنية، وإعادة تنظيم الاقتصاد المترهل.
التكلفة والتمويل.. بين المتوفر والناقص

قدرت الحكومة تكلفة طباعة العملة الجديدة بـ 70 مليون دولار، بينما حصلت بالفعل على دعم خارجي يقدر بـ 30 مليون دولار، ما يترك فجوة تمويلية تصل إلى 40 مليون دولار. هذا العجز يثير تساؤلات حول قدرة الدولة على تمويل المشروع دون زيادة الديون أو الاعتماد المفرط على المانحين.
ويرى بعض الاقتصاديين أن نجاح إصلاح العملة الصومالية يتطلب خطة متكاملة للتمويل والرقابة، لا مجرد طباعة أوراق نقدية جديدة.
عملة جديدة تعيد سيادة مفقودة..

لا يقتصر المشروع على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يحمل أبعادًا سياسية ورمزية واضحة. فإعادة إصدار عملة وطنية قوية تعني استعادة الدولة لجزء من سيادتها المفقودة. إلا أن الخلافات الداخلية، خصوصًا مع بعض الولايات مثل بونتلاند، قد تهدد تنفيذ الخطة.
فبعض القيادات في بونتلاند ترى أن أي إصلاح للعملة الصومالية يجب أن يمر عبر توافق سياسي أوسع يضمن الشفافية، ويجنب تكرار أخطاء الماضي.
المخاوف من التضخم وفقدان الثقة

يشكك خبراء الاقتصاد في أن مجرد إدخال أوراق نقدية جديدة سيحل الأزمة. فالمشكلة الأساسية تكمن في ضعف النظام المصرفي وغياب سياسات مالية فعالة. هناك مخاوف حقيقية من أن يؤدي إصلاح العملة الصومالية إلى موجة تضخمية جديدة إذا لم يتم ضبط الكتلة النقدية ومراقبة الأسواق.
المواطن العادي، الذي اعتاد التعامل بالدولار، ما زال غير واثق في جدوى الإصلاحات، ويرى أن الوعود قد تبقى حبرًا على ورق.
التكنولوجيا ومكافحة التزوير
أحد العناصر الجديدة في خطة إصلاح العملة الصومالية هو الاعتماد على تقنيات حديثة للطباعة تضمن صعوبة تزوير الأوراق النقدية. إذ تشير تقارير البنك المركزي إلى إدخال خصائص أمنية متقدمة، تشمل العلامات المائية والأحبار المتغيرة.
هذا التطور قد يعيد الثقة بالعملة الوطنية إذا ما تم تطبيقه بصرامة، خصوصًا بعد عقود من انتشار العملات المزورة التي ساهمت في انهيار الاقتصاد.
تأثير الإصلاح على المواطن الصومالي

على المستوى الشعبي، يثير مشروع إصلاح العملة الصومالية آمالًا واسعة، خاصة بين صغار التجار والموظفين الذين يعتمدون على الرواتب الحكومية. فعملة مستقرة قد تسهل عمليات البيع والشراء وتقلل من تقلب الأسعار.
لكن في المقابل، هناك قلق من أن أي خطأ في التطبيق سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل أكبر، ويزيد من اعتماد الناس على الدولار بدلاً من الشلن.
علاقة الإصلاح بالديون الدولية

الصومال ما زال يعاني من عبء ديون خارجية ضخمة رغم حصوله على إعفاءات جزئية عبر مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون. ويرى بعض الخبراء أن تخصيص 70 مليون دولار لمشروع إصلاح العملة الصومالية قد يفاقم الضغوط المالية، ما لم يقترن بسياسات إصلاحية في مجالات أخرى مثل الضرائب والإيرادات المحلية.
صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يشجعان الخطوة من حيث المبدأ، لكنهما يشددان على ضرورة ربط الإصلاح النقدي بإصلاحات مالية وهيكلية أوسع.
موقف بونتلاند والولايات الفيدرالية
من أبرز التحديات أمام إصلاح العملة الصومالية الخلاف بين الحكومة المركزية وإدارة بونتلاند، التي تعترض على المشروع بحجة غياب التنسيق والشفافية. وترى بونتلاند أن الإصلاح يجب أن يتم بتوافق وطني، خاصة وأن الولايات لها أنظمة مالية وإدارية شبه مستقلة.
هذا الانقسام يعكس هشاشة النظام الفيدرالي، ويهدد بعرقلة تنفيذ المشروع على مستوى البلاد بأكملها.
تعرف المزيد: دليل الاستثمار في الإيثريوم ETH 2025: خطوة بخطوة لتحقيق النجاح
فرص النجاح والتحديات المستقبلية
إذا ما نجح إصلاح العملة الصومالية في سد الفجوة التمويلية، وضمن شراكة حقيقية مع الولايات، وأُرفق بسياسات صارمة للرقابة المالية، فقد يمثل نقطة تحول للاقتصاد الوطني.
أما إذا ظل المشروع محصورًا في الطباعة الشكلية، دون إصلاحات هيكلية موازية، فقد يؤدي إلى نتائج عكسية تزيد من فقدان الثقة بالدولة وباقتصادها.
إن إصلاح العملة الصومالية ليس مجرد عملية مالية تقنية، بل هو معركة سياسية واقتصادية واجتماعية تعكس قدرة الدولة على استعادة مكانتها وسيادتها. ورغم التحديات الهائلة، يظل الأمل معقودًا على أن تكون هذه الخطوة بداية لمسار إصلاحي أوسع يعيد للمواطن ثقته في مؤسسات الدولة، ويضع الاقتصاد الصومالي على طريق التعافي.