في خطوة وصفت بأنها جرس إنذار خطير لوسائل الإعلام العامة في أفريقيا، حذّرت نومسا تشابيلي، الرئيسة التنفيذية لمجموعة هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية (SABC) اليوم 3 نوفمبر 2025، من أن استمرار الوضع المالي الحالي دون إصلاح جذري قد يؤدي إلى انهيار الهيئة بالكامل، في ظل أزمة تمويل متفاقمة تهدد استمرارية الخدمة العامة في البلاد.
تراجع الالتزام المالي يفاقم أزمة هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية

خلال جلسة برلمانية، كشف خاتوتشيلو راموكومبا، رئيس اللجنة الدائمة للتخصيصات، عن انخفاض خطير في معدل سداد رسوم تراخيص البث التلفزيوني، مشيرًا إلى أن “فقط 14% من المواطنين يدفعون الرسوم المستحقة”، وهو ما جعل أزمة هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية أكثر تعقيدًا.
وأوضح راموكومبا أن تكلفة الخدمة العامة تبلغ نحو 121 مليون دولار سنويًا، بينما لا تتجاوز الإيرادات الفعلية من رسوم التراخيص جزءًا بسيطًا من المبلغ المتوقع (259 مليون دولار)، ما تسبب في فجوة تمويلية كبيرة تهدد قدرة الهيئة على أداء دورها الإعلامي.
الحكومة تبحث عن حل مؤقت وسط أزمة هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية

وأشار راموكومبا إلى أن الحكومة تدرس تقديم دعم مالي طارئ بقيمة 63 مليون دولار أمريكي خلال العامين المقبلين، لتخفيف الضغط وتمكين الهيئة من تنفيذ إصلاحات هيكلية وتشريعية عاجلة.
ويرى مراقبون أن هذه المساعدة قد تمنح هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية فرصة مؤقتة لإعادة ترتيب أوضاعها، لكنها ليست حلًا طويل الأمد لأزمة التمويل الحالية.
مقارنة قاسية مع BBC تكشف عمق أزمة هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية

قالت نومسا تشابيلي إن SABC تُعد من أكثر هيئات البث العامة تجاريّةً في العالم، رغم كونها تعمل في دولة نامية، مشيرة إلى أن الوضع في جنوب أفريقيا “غير طبيعي مقارنة بباقي العالم”.
وأضافت: “في حين تغطي الحكومة البريطانية نحو 80% من نفقات هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، تعتمد هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية على إيرادات الإعلانات والرسوم الفردية، وهو نموذج لم يعد مستدامًا”.
وأكدت تشابيلي أن استمرار هذا النهج “التجاري البحت” قد يُهدد بقاء الهيئة، خاصة في ظل ثقافة عدم الدفع المنتشرة بين المواطنين، مشيرة إلى أن الأزمة لا تتعلق فقط بالإعلام، بل تمتد إلى قطاعات مثل الكهرباء والمياه والخدمات العامة.
نظام الترخيص القديم لم يعد صالحًا في ظل أزمة هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية

وشددت تشابيلي على أن نظام ترخيص التلفزيون أصبح غير ملائم للعصر الرقمي، مؤكدة أن الهيئة قدمت مقترحًا جديدًا لفرض ضريبة على الأسر بدلًا من رسوم الترخيص الفردية.
كما طرحت خيارًا آخر يتمثل في تحصيل التمويل عبر دائرة الإيرادات الداخلية، أو تخصيص تمويل مباشر من الخزانة العامة لدعم مهام الهيئة الوطنية.
وأضافت: “لن نستطيع تجاوز أزمة هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية ما لم ننتقل إلى نموذج تمويلي مستدام يوازن بين الدعم الحكومي والعائد التجاري”.
مبادرة جديدة لتطوير نموذج التمويل وسط تصاعد أزمة هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية

ولتسريع الحل، أعلنت وزارة الاتصالات والتقنيات الرقمية عن تعيين شركة BMI TechKnowledge لوضع تصور شامل لنظام تمويل مستدام للهيئة.
وأكد وزير الاتصالات سولي مالاتسي أن هذه الخطوة “تشكل بداية خطة إنقاذ حقيقية”، مشيدًا بخبرة الشركة في النمذجة الاقتصادية وتحليل سوق البث.
لكن رغم هذه الجهود، ما زالت أزمة هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية تراوح مكانها بعد أن قرر الوزير سحب مشروع قانون الهيئة بحجة أنه “معيب جوهريًا”، مما أثار انتقادات من رئيسة لجنة الاتصالات خوسيلا ديكو، التي حذّرت من أن هذه الخطوة قد تعرّض وجود الهيئة للخطر الفعلي.
البرلمان يضغط.. والوقت ينفد لإنقاذ هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية
من جهتها، أعربت ديكو عن استيائها من بطء العمل الحكومي في إعداد نموذج التمويل الجديد، قائلة: “منحنا الوزير الوقت الكافي، ولكن التقدم ضئيل جدًا”.
ودعت إلى تسريع وتيرة الإصلاح المالي والإداري، مؤكدة أن أي تأخير إضافي سيزيد من هشاشة وضع هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية.
وفي ختام الجلسة، جدّد الوزير مالاتسي تعهده بإعطاء الأولوية لوضع خطة تمويل مستدامة تضمن استمرار الهيئة في أداء رسالتها الإعلامية الوطنية.
تعرف المزيد: حقوق الإنسان في تنزانيا تتدهور بعد الانتخابات.. اللجنة الأفريقية تدق ناقوس الخطر
أزمة هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية إنذار لبقية القارة
ما يحدث في جنوب أفريقيا لا يخصها وحدها، بل يعكس تحديًا متصاعدًا يواجه هيئات البث العامة في أفريقيا، التي تجد نفسها عالقة بين ضغوط السوق وضعف التمويل الحكومي.
وإذا لم يتم إصلاح نموذج التمويل بشكل جذري، فقد تكون أزمة هيئة الإذاعة الجنوب أفريقية بداية سلسلة من الانهيارات في الإعلام العام عبر القارة.
