تعود أزمة فتح معبر رفح بين إسرائيل وغزة إلى الواجهة من جديد، بعدما أعلنت تل أبيب أن المعبر لن يُفتح اليوم الأربعاء 15 أكتوبر، لأسباب “لوجستية”، رغم إعلانها في وقت سابق استعدادها للسماح بدخول المساعدات الإنسانية. وبينما تنتظر آلاف العائلات في غزة بلهفة عبور أول شاحنة من معبر رفح، يبدو أن البوابة الوحيدة للقطاع نحو العالم الخارجي تحوّلت إلى ملف سياسي معقد، تتشابك فيه الحسابات الإسرائيلية مع الجهود الأمريكية والوساطة المصرية.
ممرّ الحياة يتحول إلى ورقة تفاوض

في الوقت الذي أعلن فيه الأمن الإسرائيلي السماح بدخول 600 شاحنة مساعدات عبر معبر كرم أبو سالم، أكدت الحكومة الإسرائيلية أن معبر رفح لن يُفتح اليوم بسبب “الفحوص الفنية”. إلا أن مصادر دبلوماسية ترى أن أزمة فتح معبر رفح بين إسرائيل وغزة تتجاوز المسائل الفنية، إذ تستخدمها تل أبيب كورقة ضغط على حركة حماس بعد أن أعلنت الأخيرة نيتها تسليم مزيد من جثث الأسرى الإسرائيليين.
ويقول مراقبون إن إسرائيل تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية من الملف الإنساني، في حين تحاول حماس الظهور بمظهر الطرف المنضبط الذي يلتزم ببنود التهدئة. وهكذا، يبقى معبر رفح عالقًا بين المواقف المتشددة والتفاهمات المؤجلة، فيما يدفع المدنيون في غزة الثمن الأكبر.
المبعوث الأمريكي والوساطة المرهقة

من جهة أخرى، دخل المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف على خط الأزمة، محاولًا إحياء التفاهمات المتعثرة بين إسرائيل وحماس. وبحسب مصادر مطلعة، كثف ويتكوف اتصالاته خلال الساعات الماضية في مسعى لتثبيت الهدنة وإعادة فتح الممرات الإنسانية، وعلى رأسها معبر رفح.
لكن أزمة فتح معبر رفح بين إسرائيل وغزة تبدو أكبر من مجرد وساطة، إذ ترتبط بعمق بالثقة المفقودة بين الطرفين وبالضغوط الداخلية التي تواجهها حكومة نتنياهو، في ظل الانتقادات الشعبية بسبب ملف الأسرى.
وتشير تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن قرار المضي في فتح المعبر كان مطروحًا بعد تسلم إسرائيل رفات أربعة من الأسرى، إلا أن إجراءات أمنية جديدة أُضيفت في اللحظة الأخيرة عطّلت التنفيذ. ويبدو أن تأجيل فتح المعبر أصبح وسيلة لتوجيه رسائل سياسية أكثر منه استجابة لحاجات إنسانية.
أنقاض غزة.. وجه آخر للأزمة

في الداخل الفلسطيني، يعيش السكان بين انتظار المساعدات وتكدّس الركام. فبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، خلّفت الحرب على غزة خلال العامين الماضيين أكثر من 55 مليون طن من الأنقاض، تعيق عمليات البحث عن الجثث وإعادة الإعمار على حد سواء.
تقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن استعادة رفات الأسرى والمفقودين قد تستغرق وقتًا طويلًا نظرًا لصعوبة الوصول إلى أماكن الدفن وسط الدمار الشامل.
ورغم كل ذلك، تبقى أزمة فتح معبر رفح بين إسرائيل وغزة العامل الأكثر تأثيرًا في حياة المدنيين، إذ يتوقف عليها دخول الغذاء والدواء والوقود. ومع كل تأجيل جديد، تتسع الهوة بين الوعود الدولية وواقع الأزمة الميدانية.
بين الأمل والمساومة
يدرك الغزيون أن معبر رفح لم يعد مجرد ممرّ للمساعدات، بل أصبح مرآة للصراع بين السياسة والإنسانية. وبينما تؤكد إسرائيل أن الفحوص الفنية هي السبب، يرى سكان القطاع أن “اللوجستيات” مجرد ذريعة لتبرير التأجيل المتكرر.
فكل تأخير في فتح المعبر يعني يومًا آخر من العطش والظلام، ويعني كذلك استمرار معاناة المستشفيات التي تعجز عن استقبال الحالات الحرجة.
وبينما تواصل الولايات المتحدة ومصر جهودهما لإعادة فتح الممرات، فإن أزمة فتح معبر رفح بين إسرائيل وغزة تظل أكبر من معبر، وأعمق من مجرد خلاف ميداني. إنها اختبار حقيقي للضمير الدولي، ولمدى قدرة الأطراف المتصارعة على تفضيل الحياة على السياسة.
تعرف المزيد: الانقلاب في مدغشقر خلال 24 ساعة.. من الاحتجاج إلى سقوط الرئيس
رفح.. مفتاح الحياة المؤجل
بعد مرور أكثر من عامين على الحرب، ما زال أزمة فتح معبر رفح بين إسرائيل وغزة عنوانًا دائمًا في نشرات الأخبار، ودليلًا على أن الحلول الإنسانية لا تزال رهينة للتجاذبات السياسية.
فكل وعد بفتح المعبر يعقبه تأجيل، وكل هدنة جديدة تنتهي بقرار غامض. وفيما تنتظر غزة مرور أول قافلة إغاثة عبر رفح، يبقى السؤال الأهم: متى تتحول الوعود إلى فعل، ومتى تُفتح بوابة الحياة حقًا أمام شعب أنهكته الحرب والسياسة معًا؟