أزمة البطالة في الصومال، في ظل الطفرة العمرانية التي تشهدها العاصمة الصومالية مقديشو مؤخرًا، ارتفعت أسعار الشقق السكنية إلى ما بين 90 و120 ألف دولار، فيما وصلت الإيجارات إلى حدود 500 دولار شهريًا. هذا الازدهار دفع المئات من ملاك المنازل إلى هدم بيوتهم القديمة لبناء أبراج سكنية حديثة، ما فتح الباب أمام شركات المقاولات الكبرى لاستقدام عمالة أجنبية منخفضة الأجر.
ورغم أن النمو العمراني يبدو إيجابيًا على السطح، إلا أنه كشف عمق أزمة البطالة في الصومال التي باتت تهدد مصدر رزق آلاف العمال المحليين.
شركات المقاولات تفضل العمالة الأجنبية الرخيصة
شركة مقديشو للتجارة وهي من أبرز شركات البناء في العاصمة – لجأت مؤخرًا إلى استقدام مهندسين وعمّال من الهند وكينيا لتشييد أبراجها السكنية، مبررة ذلك بانخفاض أجورهم مقارنة بالعمال الصوماليين.
فالعمال المحليون يتقاضون ما بين 15 و20 دولارًا يوميًا، بينما تقبل العمالة الأجنبية برواتب أقل بكثير، ما يجعلها خيارًا مربحًا للشركات. غير أن هذا التوجه يفاقم أزمة البطالة في الصومال، إذ يحرم مئات الصوماليين من فرص العمل التي كانوا يعتمدون عليها لتأمين قوت يومهم.
معاناة يومية لعمال البناء الصوماليين
في شوارع مقديشو، يقف عشرات العمال يوميًا أمام مخازن مواد البناء على أمل الحصول على فرصة عمل. عبد النور فارح، أب لخمسة أطفال، يقول:
“في الماضي كنا نعمل بشكل يومي ونكسب نحو 8 دولارات، أما اليوم فنعمل مرتين فقط في الشهر، وغالبًا بأجر مؤجل أو ناقص. تراكمت علي ديون تجاوزت 500 دولار ولم أعد أستطيع سدادها”.
قصة عبد النور تجسد جانبًا مأساويًا من أزمة البطالة في الصومال التي لا تمس العمال فحسب، بل تمتد لتضرب استقرار الأسر بأكملها.
هرجيسا تواجه التحدي ذاته
لم تقتصر الأزمة على العاصمة؛ ففي مدينة هرجيسا، لجأت شركات البناء إلى استقدام عمالة أجنبية من بنغلادش واليمن وإثيوبيا. هذه السياسة أدت إلى تهميش آلاف الصوماليين الذين كانوا يعتمدون على العمل اليومي.
يروي محمود يوسف جامع، أحد المتضررين:
“كنت أدفع عشرة دولارات شهريًا إيجارًا، لكن بعد توقف العمل اضطررت للانتقال إلى كوخ بلا كهرباء. أطفالي تركوا المدرسة لأنني لم أعد قادرًا على دفع الرسوم”.
هذه القصص المؤلمة أصبحت السمة الغالبة في ظل تفاقم أزمة البطالة في الصومال، حيث تتآكل فرص العمل أمام المواطنين لصالح الأيدي الأجنبية.
نسب البطالة الأعلى عالميًا
تشير بيانات البنك الدولي إلى أن معدلات البطالة في الصومال تجاوزت 67% بين الشباب، وهي من الأعلى في العالم. وتتركز النسبة الأكبر في المدن الكبرى مثل مقديشو وهرجيسا.
ويرى خبراء الاقتصاد أن ضعف البنية التحتية وغياب الاستثمارات الصناعية والاعتماد على الاقتصاد غير الرسمي جعل من قطاع البناء أحد آخر الملاذات المتاحة للعمال. إلا أن دخول العمالة الأجنبية منخفضة الأجر عمّق أزمة البطالة في الصومال وأفقد السوق المحلية توازنها.
تحذيرات اقتصادية من تبعات بعيدة المدى
يحذر اقتصاديون من أن استمرار الاعتماد على العمالة الأجنبية قد يؤدي إلى تراجع فرص العمل الوطنية وزيادة الاعتماد على التحويلات المالية والمساعدات الخارجية. كما سيؤدي إلى اتساع دائرة الفقر، ما يجعل أزمة البطالة في الصومال أزمة اجتماعية واقتصادية في آنٍ واحد.
ويقول الخبير الاقتصادي محمد حسن إن “التوسع في استقدام العمالة الأجنبية دون ضوابط سيخلق فجوة ثقة بين المواطنين وسوق العمل، وقد يحدّ من قدرة الشباب الصومالي على دخول مجال المقاولات مستقبلاً”.
دعوات لضبط سوق العمل وتفضيل العمالة الوطنية
في مواجهة هذا الواقع، يطالب عمال المياومة في هرجيسا السلطات المحلية بوضع قوانين تنظم سوق العمل، وتحد من استقدام الأيدي الأجنبية إلا في التخصصات النادرة.
كما يدعون إلى دعم برامج التدريب المهني التي تساعد الشباب على اكتساب مهارات البناء الحديثة، لمواجهة أزمة البطالة في الصومال والحد من اعتماد الشركات على العمالة الأجنبية.
تعرف المزيد: 5 زوايا تكشف أبعاد الوجود البحري الصيني في الصومال: حماية أم نفوذ استراتيجي؟
مستقبل قطاع البناء على المحك
إذا لم تتدخل الحكومة بخطط واضحة، فإن استمرار الشركات في استقدام عمالة أجنبية رخيصة قد يؤدي إلى فقدان آلاف الأسر الصومالية مصدر رزقها الوحيد.
ويؤكد مراقبون أن معالجة أزمة البطالة في الصومال تتطلب استراتيجية وطنية تشمل تحفيز الاستثمار المحلي، وتمكين العمال الصوماليين من تطوير مهاراتهم، وتشديد الرقابة على شركات المقاولات التي تفضل العمالة الأجنبية لأسباب مادية فقط.