في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية في القرن الأفريقي، تبرز الشراكة التركية الصومالية في مجال الطاقة كمحور جدل واسع. فهل تهدف هذه الشراكة إلى دعم الاقتصاد الصومالي، أم أنها تُخفي وراءها نوايا للسيطرة على الموارد الطبيعية؟
ثروات الصومال النفطية
يمتلك الصومال موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا على المحيط الهندي، ويُعتقد أنه يطفو فوق كميات ضخمة من النفط والغاز لم تُستخرج بعد. وتشير تقارير فنية أولية إلى وجود مكامن من ثروات الصومال النفطية بحرية واعدة قد تغير مستقبل الاقتصاد الصومالي بالكامل.
وفي عام 2022، أعلنت الحكومة الصومالية عن تقسيم 7 مناطق بحرية للتنقيب، مشيرة إلى رغبتها في جذب استثمارات أجنبية موثوقة لتطوير قطاع الطاقة. وتُعتبر هذه الموارد أحد أعمدة التنمية الاقتصادية المستقبلية للبلاد، خصوصًا مع ضعف الإيرادات التقليدية وارتفاع معدلات البطالة والفقر.
ومع ذلك، تبقى التحديات الأمنية والسياسية، إلى جانب هشاشة البنية التحتية وغياب الخبرات الوطنية، من أكبر العقبات أمام تحقيق الاكتفاء والاستقلال في هذا القطاع.
ويُعد الصومال من الدول الواعدة في مجال النفط والغاز وكثرة ثروات الصومال النفطية، وتشير الدراسات إلى وجود احتياطيات كبيرة، خاصة في المناطق البحرية. ومع ذلك، فإن استغلال ثروات الصومال النفطية يواجه تحديات متعددة، منها:
- الافتقار إلى البنية التحتية اللازمة لعمليات الاستكشاف والإنتاج.
- الاضطرابات الأمنية والسياسية التي تعيق جذب الاستثمارات الأجنبية.
- نقص الخبرات الفنية في مجال صناعة النفط والغاز.
الشراكة التركية الصومالية: تعاون أم توسع نفوذ؟
في عام 2024، وقّعت تركيا والصومال اتفاقية تعاون في مجال النفط والغاز، تشمل:
- استكشاف وتطوير وإنتاج النفط في المناطق البرية والبحرية الصومالية.
- منح شركة البترول التركية (TPAO) حقوقًا حصرية للتنقيب في ثلاث مناطق بحرية، كل منها بمساحة 5,000 كيلومتر مربع.
- إرسال سفينة الأبحاث الزلزالية “أوروتش رئيس” لإجراء دراسات ثلاثية الأبعاد في المناطق المستهدفة.
اتفاقية ثروات الصومال النفطية تأتي في سياق تعزيز العلاقات بين البلدين، والتي تشمل أيضًا التعاون في مجالات الدفاع والتعليم والبنية التحتية.
رغم التصريحات الرسمية التي تؤكد أن الهدف من الشراكة هو دعم الاقتصاد الصومالي، إلا أن هناك مخاوف متزايدة من أن تركيا تسعى للسيطرة على ثروات الصومال النفطية. وتشير تقارير إلى أن:
- الاتفاقيات تمنح تركيا حقوقًا استثنائية في استغلال الموارد، بما في ذلك التنقيب والإنتاج والتكرير والتوزيع.
- تركيا تسعى لتوسيع نفوذها في القرن الأفريقي من خلال السيطرة على الموارد الاستراتيجية، مثل النفط والغاز.
بينما تُظهر الشراكة التركية الصومالية في مجال الطاقة فرصًا لتعزيز الاقتصاد الصومالي، إلا أن هناك حاجة ملحة لضمان:
- شفافية الاتفاقيات ومراعاة المصالح الوطنية الصومالية.
- مراقبة دولية لضمان عدم استغلال الموارد بشكل يضر بالسيادة الصومالية.
- تنمية القدرات المحلية لضمان استفادة الشعب الصومالي من ثرواته الطبيعية.
وتشمل الاتفاقية البنود التالية:
- الحق الحصري للتنقيب والإنتاج والتوزيع والتكرير، ما يمنح تركيا سلطة شبه مطلقة على كامل دورة إنتاج الطاقة.
- إعفاءات جمركية وضريبية للشركة التركية، مما يُثير مخاوف من تقويض المصلحة الاقتصادية الوطنية الصومالية.
- إرسال السفينة “أوروتش رئيس” التركية لاستكمال المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد، رغم كونها سفينة سبق استخدامها في نزاعات بحرية إقليمية شرق المتوسط.
وفي حين تصف الحكومة الصومالية الاتفاق بأنه “شراكة استراتيجية”، يرى مراقبون أن تركيا قد تستخدمه وسيلة لتكريس نفوذها العسكري والاقتصادي في منطقة القرن الأفريقي، خاصة بعد توقيع اتفاقات دفاعية سابقة تشمل إدارة الموانئ وتدريب القوات البحرية الصومالية.
ما يثير الجدل بشكل أكبر أن الاتفاق يأتي في ظل سعي تركيا لتعزيز وجودها في مناطق نفوذ إستراتيجي بحري. وتاريخيًا، تستخدم أنقرة أدوات متعددة لفرض حضورها، منها:
- إدارة قاعدة عسكرية تركية كبيرة في مقديشو، وهي من أكبر القواعد التركية بالخارج.
- الإشراف على تدريب القوات البحرية الصومالية بموجب اتفاقية منفصلة.
- إبرام اتفاقيات دفاعية واقتصادية متداخلة تجعل من الصعب الفصل بين التعاون الأمني والتدخل الاقتصادي.
ويرى بعض الخبراء أن الشراكة في ثروات الصومال النفطية ليست فقط ذات طابع اقتصادي، بل هي جزء من رؤية أوسع لبسط النفوذ الجيوسياسي التركي على أحد أهم الممرات البحرية في العالم (خليج عدن ومضيق باب المندب).
رغم أهمية التعاون الدولي في دعم الاقتصاد الصومالي المنهك من خلال ثروات الصومال النفطية، إلا أن هذه الشراكات يجب أن تتم وفقًا لمبادئ الشفافية وحماية السيادة. وينبغي للحكومة الصومالية:
- ضمان مراجعة برلمانية شاملة لجميع بنود الاتفاقيات ذات الطابع السيادي.
- تعزيز دور الخبراء المحليين في عمليات المفاوضات وصياغة العقود.
- التأكد من استفادة المواطنين الصوماليين من العائدات النفطية من خلال برامج تنموية وتعليمية وصحية.
كما يُوصى بضرورة وجود رقابة دولية مستقلة، خاصة في ظل التداخل الكبير بين النفوذ السياسي والاقتصادي في مثل هذه الصفقات.
تعكس اتفاقية الطاقة بين تركيا والصومال واقعًا جديدًا في خارطة التحالفات الإقليمية في القرن الأفريقي، لكن الخوف يبقى من أن تتحول هذه الاتفاقات من فرصة للنمو إلى بابٍ خلفي للهيمنة. ويبقى الرهان على وعي الحكومة الصومالية ومؤسساتها الرقابية والمجتمع المدني لضمان ألا تُستغل موارد البلاد كأدوات لصالح أطراف خارجية.
تعرف المزيد على: 5 ملفات اقتصادية يطرحها الصومال في اجتماعات الربيع 2025