بعد أكثر من 34 عامًا من الصراع، لطالما ارتبطت جهود السلام في الصومال بالرجال وكبار العشائر. لكن المشهد يشهد اليوم تحولًا لافتًا، حيث تتقدم المرأة الصومالية في بناء السلام لتكسر القيود التقليدية وتلعب دورًا محوريًا في الوساطة والمصالحة.
الشعر أداة للتقارب وإنهاء النزاعات

دراسة حديثة صادرة عن معهد التراث للدراسات السياسية في مقديشو، بتاريخ 17 أغسطس/آب، كشفت كيف أعادت النساء إحياء أدوات تقليدية أبرزها الشعر لردم الهوة بين العشائر المتناحرة. فالنساء لا يقدمن فقط خطابًا عاطفيًا، بل يستحضرن قوة الكلمة في الثقافة الصومالية عبر “سوغانتا”، وهو شكل من الشعر والقصص الشعبية الذي يشجع على ضبط النفس ويحفز الأطراف على الحوار. هذه الممارسات جعلت المرأة الصومالية في بناء السلام فاعلًا لا غنى عنه في إعادة اللحمة المجتمعية.
نجاحات نسائية بارزة في الوساطة

أحد أبرز الأمثلة وقع عام 2013، حين تمكنت نساء من عشيرة ساليبان في مدينة كادادو من إنهاء حرب ثأرية مع عشيرة كير المنافسة، بعد أن فشلت جهود الرجال وكبار العشائر. هذه الواقعة برهنت على قدرة النساء على تحقيق ما عجزت عنه قنوات المصالحة التقليدية، ورسخت فكرة أن المرأة الصومالية في بناء السلام ليست مجرد دور ثانوي، بل عنصر أساسي.
انسجام مع الإطار العالمي للسلام والأمن

جهود النساء في الوساطة لا تنفصل عن الأطر الدولية. فقرار مجلس الأمن رقم 1325 لعام 2000 اعترف عالميًا بتأثير النزاعات على النساء والفتيات، وبقدراتهن في إعادة البناء بعد الحروب. وفي الصومال، ارتبط هذا الاعتراف بمشاركة أكثر من 600 امرأة منذ 2023 في مشاورات المصالحة على مستوى الولايات الفيدرالية الخمس، لتترجم بذلك مكانة المرأة الصومالية في بناء السلام إلى واقع ملموس.
عقبات لا تزال قائمة
رغم النجاحات، تواجه النساء تحديات كبيرة. فالتمثيل المتساوي في عمليات المصالحة الرسمية ما زال غائبًا، بينما تفرض الهياكل الأبوية والسياسات العشائرية قيودًا صارمة. إلى جانب ذلك، تظل التفسيرات الخاطئة للدين إحدى العقبات التي تحد من حضور المرأة الصومالية في بناء السلام في المشهد السياسي والاجتماعي.
رموز سياسية تكسر الحواجز

في أبريل 2022، تم انتخاب سعدية ياسين حاجي سمتر أول نائبة لرئيس البرلمان الصومالي، وهو حدث تاريخي يؤكد تقدم النساء إلى الصفوف الأمامية. ومع ذلك، يظل التغيير بطيئًا أمام الموروثات التقليدية التي تحاول حصر دور المرأة الصومالية في بناء السلام في نطاق محدود.
الحاجة إلى دعم نفسي ومجتمعي

تشير الدراسات إلى أن النساء اللواتي شاركن في جهود المصالحة يعانين من آثار نفسية عميقة جراء عقود من العنف. ورغم دورهن المتنامي، فإن الدعم النفسي لا يزال ضعيفًا، ما يهدد استمرارية حضور المرأة الصومالية في بناء السلام. ولهذا توصي التقارير بإنشاء مراكز آمنة متعددة الوظائف، حيث يمكن للنساء مشاركة تجاربهن والتعافي من الصدمات، مع تعزيز مشاركتهن في الحياة العامة.
تعرف المزيد: دراسة تكشف مخاطر انخفاض ضغط الدم أثناء الولادة القيصرية في الصومال
نحو مستقبل تشاركي
المعارك المستمرة مع حركة الشباب والنزاعات العشائرية المتكررة تبرز الحاجة الملحة لنهج أكثر شمولًا. إدماج المرأة الصومالية في بناء السلام لم يعد خيارًا، بل ضرورة لضمان استقرار البلاد وتعزيز المصالحة الوطنية. فالمجتمع الذي يمنح النساء المساحة الكاملة للإبداع والمبادرة هو مجتمع يمتلك فرصة أكبر لتحقيق سلام دائم.