في الوقت الذي تتحمل فيه الدول الغنية المسؤولية الكبرى عن التغير المناخي بسبب انبعاثاتها الصناعية، تُظهر دراسة حديثة أن أفقر دول العالم تتحمل العبء الأكبر من أزمة المناخ، سواء من حيث الأرواح أو الاقتصاد أو البنية التحتية. فرغم أن هذه الدول لم تسهم مجتمعة بأكثر من 1% من الانبعاثات العالمية، فإنها واجهت خلال العقدين الماضيين خسائر مروعة.
بحسب تقرير جديد صادر عن ODI Global، فإن 11 دولة فقيرة، بينها الصومال وهايتي وإثيوبيا وتشاد، تكبدت خسائر بلغت أكثر من 150 مليار دولار نتيجة تداعيات تغير المناخ. هذه الدول وحدها شهدت وفاة أكثر من 42 ألف شخص، بسبب كوارث طبيعية متصلة بالمناخ مثل الجفاف والفيضانات والأعاصير.
المجاعة والفقر: وجه آخر لأزمة المناخ
في الصومال وحدها، أدى الجفاف المدمر بين عامي 2017 و2023 إلى نزوح الملايين ووفاة عشرات الآلاف، خاصة من الأطفال. وقد قدرت الخسائر في القطاع الزراعي بأكثر من 6.5 مليار دولار، ما أثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي وأدى إلى انخفاض حاد في المحاصيل وارتفاع الأسعار، وتفاقم أزمة المجاعة.
ولا يقتصر الأمر على الصومال، إذ أن هايتي واجهت إعصار ماثيو المدمر في 2016، ما تسبب في خسائر قدرت بأكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة. أما في جزر القمر، فقد دمرت العواصف المتكررة البنية التحتية الزراعية بالكامل، ما دفع الآلاف إلى الهجرة.
وفي المجمل، عانى أكثر من 364 مليون شخص في هذه الدول من آثار مباشرة أو غير مباشرة للكوارث المناخية خلال 20 عامًا فقط.
تمويل غير عادل ودعوات للتحرك
رغم التزام قمة المناخ الأخيرة (COP28) بإنشاء صندوق “الخسائر والأضرار” لتعويض الدول المتضررة، فإن التمويل المقدم لا يزال هزيلًا مقارنة بحجم الكارثة. فالصندوق لم يجمع سوى 768 مليون دولار فقط، أي ما يعادل 0.5% من الحد الأدنى للحاجة الفعلية.
وقد أعربت منظمات دولية مثل ODI وGreenpeace عن قلقها من بطء الاستجابة الدولية، في وقت تُجبر فيه الدول الفقيرة على استخدام مواردها المحدودة في جهود الإغاثة بدلًا من التنمية. كما أكدت كارلا دينيير، زعيمة حزب الخضر البريطاني، أن استمرار الدول الغنية في التنصل من مسؤولياتها سيؤدي إلى تصاعد التوترات الجيوسياسية والمناخية في الجنوب العالمي.
ودعا التقرير إلى زيادة الدعم المالي والتقني، وتحويله مباشرة إلى المجتمعات المحلية الأكثر تضررًا، بدلًا من تمريره عبر قنوات بيروقراطية معقدة.
رغم أنها لا تلوث الكوكب، فإن الدول الفقيرة تُعاقب على أزمة المناخ بدفع أثمان باهظة من أرواح أبنائها واقتصاداتها الهشة. ما لم تتخذ الدول الصناعية إجراءات عادلة وجريئة، فإن أزمة المناخ لن تبقى أزمة بيئية فقط، بل ستكون أزمة عدالة دولية وأخلاقية تهدد استقرار العالم بأسره.
تعرف المزيد على: تعزيز الحماية القانونية للصحفيين في شرق إفريقيا